سورة الحجر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}
أي: لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّنْهُمْ} أصنافاً من الكفار.
فإن قلت: كيف وصل هذا بما قبله؟ قلت: يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة، وهي القرآن العظيم؛ فعليك أن تستغني به، ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا. ومنه الحديث: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن»، وحديث أبي بكر: «من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً» وقيل: وافت من بصرى وأذرعات: سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير، فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها، ولأنفقناها في سبيل الله، فقال لهم الله عز وعلا: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تتمنّ أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوّى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون، وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء {وَقُلْ} لهم {إِنّى أَنَا النذير المبين} أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب الله نازل بكم.


{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91)}
فإن قلت: بم تعلق قوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا}؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما، أن يتعلق بقوله: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87] أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون {الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعضوه. وقيل: كانوا يستهزؤن به فيقول بعضهم: سورة البقرة لي، ويقول الآخر: سورة آل عمران لي، ويجوز أن يراد بالقرآن: ما يقرؤنه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأنّ اليهود أقرّت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم، وقولهم سحر وشعر وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم. والثاني أن يتعلق بقوله: {وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89] أي: وأنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعني اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز؛ لأنه إخبار بما سيكون وقد كان. ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوباً بالنذير، أي: أنذر المعضين الذين يجزؤن القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرّقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر. ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب وغيرهم، أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه السلام، والاقتسام بمعنى التقاسم.
فإن قلت: إذا علقت قوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا} بقوله: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87] فما معنى توسط {لاَ تَمُدَّنَّ} [الحجر: 88] إلى آخره بينهما؟ قلت: لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم، اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم، ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين {عِضِينَ} أجزاء، جمع عضة، وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء. قال رؤبة:
وَلَيْسَ دينُ اللَّهِ بِالْمَعْضِيِّ ***
وقيل: هي فعلة، من عضهته إذا بهته.
وعن عكرمة: العضة السحر، بلغة قريش، يقولون للساحر عاضهة.
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة، نقصانها على الأوّل واو، وعلى الثاني هاء.


{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
{لَنَسْئَلَنَّهُمْ} عبارة عن الوعيد.
وقيل يسألهم سؤال تقريع.
وعن أبي العالية: يسأل العباد عن خلتين: عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11